بقلم: محمد الفحلة
في مدينةٍ لطالما عُرفت بانضباطها وشخصيتها الساحلية الهادئة، يشهد سكان بورسعيد تحوّلاً لافتًا في أنماط حياتهم اليومية، لاسيما في ساعات النوم والاستيقاظ. فهل باتت المدينة "لا تنام" حقًا؟ أم أن سكانها باتوا أسرى لساعات بيولوجية مضطربة في زمنٍ تغيّر فيه كل شيء؟
من الشروق إلى منتصف الليل: يومٌ يبدأ متأخرًا وينتهي فجراً
في جولة ميدانية بعد منتصف الليل، تصادفك مشاهد لم تكن معتادة قبل سنوات: مقاهٍ مزدحمة بالشباب، أسر تتنزه على الكورنيش، محلات تفتح أبوابها حتى الثالثة فجراً، ودرّاجات توصيل تعمل بلا توقف. الحياة لا تهدأ، وكأن الليل بات امتدادًا للنهار.
يقول عماد، شاب عشريني يعمل في إحدى الكافيهات:
"أوقات الزروة أصبحت من 10 بالليل لحد 2 الفجر. الزبائن كتير بيقولوا إنهم مش بيناموا قبل الفجر أصلاً، حتى لو ما عندهمش شغل ليلي."
التكنولوجيا.. بوابة السهر الدائم
لم يكن دخول الإنترنت والهواتف الذكية مجرد تطورٍ تقني، بل أصبح بوابة مفتوحة نحو السهر. المحتوى الترفيهي المستمر، والألعاب الإلكترونية، ومنصات التواصل، كلها تسرق ساعات النوم دون أن يشعر المستخدم بذلك.
تقول دكتورة منى عبد الحليم، أخصائية طب النوم:
"هناك ارتفاع واضح في حالات اضطراب النوم لدى الشباب والمراهقين، خاصة في المدن الساحلية خلال الصيف. السهر أمام الشاشات يربك الساعة البيولوجية، ويؤثر على التركيز والمزاج."
رمضان والصيف.. شرارات التحوّل
منذ سنوات، أصبح شهر رمضان، الذي غالبًا ما يتزامن مع فصل الصيف، نقطة الانطلاق لهذا التغيّر. تأخر موعد الإفطار، والأنشطة الليلية، والمسلسلات، غيّرت نمط اليوم بالكامل. ومع الوقت، استمر السهر ليصبح عادة حتى خارج رمضان.
تقول أم إسلام، أم لثلاثة أطفال:
"بعد رمضان العيال بقوا يسهروا للساعة 4.. وبقينا نصحى 12 الظهر. حاولنا نرجع لنظام عادي بعد كده، لكن بصراحة فشلنا."
بين الراحة والإرهاق.. المواطن في المنتصف
رغم ما يبدو من متعة في هذه "الحرية الزمنية"، إلا أن البعض بدأ يشتكي من إرهاق مزمن، وتأثير مباشر على الإنتاجية في الصباح، خاصة العاملين في القطاع الحكومي.
يقول حسين، موظف في مصلحة حكومية:
"بقيت أصحى بالعافية الساعة 7 الصبح. وبالليل مش بنام قبل 2. الجسم مش مستحمل ده كتير."
هل من سبيل للعودة؟
تشير دراسات حديثة إلى أن الالتزام بروتين نوم منتظم، وتقليل استخدام الهواتف قبل النوم، وممارسة أنشطة صباحية، هي خطوات ضرورية لإعادة ضبط الساعة البيولوجية.
لكن السؤال يبقى: في مدينة بدأت تستمتع بصخب الليل وتتنفّس في ساعات الفجر، هل ما زال بالإمكان استعادة التوازن؟ أم أن بورسعيد تمضي فعلاً نحو حياة ليلية دائمة؟