تم نسخ الرابط

صلاح الدين الأيوبي: فارس الإسلام الذي حرر القدس ووحّد الأمة

صلاح الدين الأيوبي: فارس الإسلام الذي حرر القدس ووحّد الأمة

بورسعيد - Mohamed Elfahla نشر فى: 2025-04-13 10:48:47 اخر تحديث: 2025-04-13 10:48:47

اعداد:محمد الفحله

في ذاكرة التاريخ، تظل بعض الشخصيات متألقة لا يخفت بريقها مهما مر الزمان، ومن بين هذه الأسماء العظيمة يبرز السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي لم يكن مجرد قائد عسكري بارع، بل رمزًا للفروسية، الحكمة، والوحدة الإسلامية في زمنٍ كان فيه التفرق هو السائد.

صلاح الدين، أو كما يُعرف بـ "الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب"، وُلد عام 1137م في مدينة تكريت (بالعراق حاليًا) ونشأ في بيئة عسكرية، فوالده نجم الدين أيوب كان واليًا وقائدًا مخلصًا للدولة الزنكية. ومنذ سنواته الأولى، ظهرت عليه علامات الذكاء والانضباط، فبدأ مشواره في الجندية والسياسة بهدوء، قبل أن يتحول لاحقًا إلى أحد أعظم القادة في التاريخ الإسلامي.


التوحيد قبل التحرير

أدرك صلاح الدين أن النصر على الصليبيين وتحرير القدس لا يمكن أن يتحقق إلا بوحدة المسلمين، فكرّس جهده لتوحيد الصفوف المتفرقة، فبدأ أولًا بتثبيت سلطته في مصر، بعد أن أنهى الحكم الفاطمي، وأعاد مصر إلى المذهب السني تحت راية الخلافة العباسية.

ثم توجّه شمالًا لتوحيد الشام، ودخل في تحالفات ومعارك حتى أخضع حلب ودمشق ومناطق أخرى، مُكوّنًا جبهة قوية تقف في وجه الوجود الصليبي في المشرق. لم يكن توحيده ناتجًا عن الطمع في السلطة، بل كان مدفوعًا برؤية استراتيجية واضحة لتحرير الأراضي الإسلامية من الاحتلال.


معركة حطين: بداية التحرير

جاءت معركة حطين عام 1187م لتكون اللحظة الفاصلة في تاريخ الصراع مع الصليبيين. نجح صلاح الدين في حشد جيش قوي، وخاض المعركة ضد قوات مملكة القدس بقيادة غي دي لوزينيان، فانتصر عليهم انتصارًا ساحقًا، وتم أسر عدد كبير من القادة الصليبيين، وعلى رأسهم ملك القدس نفسه.

هذه المعركة لم تكن مجرد نصر عسكري، بل كانت بوابة تحرير القدس، التي دخلها صلاح الدين بعد 88 عامًا من الاحتلال الصليبي، في مشهد تاريخي لا يُنسى، عندما دخلها بسلام يوم الجمعة 2 أكتوبر 1187م، بعد مفاوضات سمح فيها بخروج المدنيين من دون إذلال أو قتل، على خلاف ما فعله الصليبيون عند احتلالهم لها.


قائد عسكري وإنساني

ما ميز صلاح الدين عن غيره من القادة عبر العصور هو مزجه بين القوة والرحمة. ففي الوقت الذي كان فيه قائدًا عسكريًا شديد البأس، كان أيضًا متسامحًا وإنسانيًا لأبعد الحدود، حتى مع أعدائه.

يروي المؤرخون أنه عندما مرض ريتشارد قلب الأسد، خصمه في الحملة الصليبية الثالثة، أرسل له صلاح الدين طبيبًا خاصًا وهدايا، في مشهد نادر من النبل والفروسية. كما عامل الأسرى معاملة كريمة، ورفض الانتقام من المدنيين، مؤمنًا بأن النصر لا يكتمل بالقوة فقط، بل بالأخلاق والرحمة.


وفاته وإرثه

توفي صلاح الدين الأيوبي في دمشق عام 1193م عن عمر يناهز 56 عامًا، بعد أن أنهى حياته زاهدًا، لا يملك من متاع الدنيا شيئًا. ويقال إن كل ما تركه من أموال لم يكن كافيًا حتى لتغطية تكاليف جنازته، رغم أنه كان سلطانًا على واحدة من أقوى الدول الإسلامية آنذاك.

لكن إرثه لا يُقاس بالمال، بل بالأثر الذي تركه في قلوب الشعوب، وفي صفحات التاريخ. فصلاح الدين لم يكن فقط قائدًا حرر القدس، بل كان رمزًا للوحدة، والعدل، والفروسية.


الخلاصة

صلاح الدين الأيوبي هو اسم محفور في ذاكرة الأمة الإسلامية والعالم بأسره، كقائد شجاع، وسياسي حكيم، وفارس نبيل. في زمن كثرت فيه الفتن والانقسامات، كان نموذجًا للوحدة والقوة الملتزمة بالقيم. لم يكن انتصاره في القدس مجرد لحظة عسكرية، بل كان رسالة أمل بأن الأمة إذا اجتمعت، فإنها قادرة على مواجهة أعظم التحديات.

وفي عالم اليوم، لا يزال اسمه يُذكر بإجلال، ليس فقط في الشرق، بل حتى في كتب التاريخ الغربية، كأحد أعظم قادة العصور الوسطى وأكثرهم إنسانية.