تم نسخ الرابط

مستقبل الخصوصية في عصر البيانات المفتوحة: ما الذي تبقّى من أسرارك؟

مستقبل الخصوصية في عصر البيانات المفتوحة: ما الذي تبقّى من أسرارك؟

بورسعيد - Mohamed Elfahla نشر فى: 2025-04-13 10:13:39 اخر تحديث: 2025-04-13 10:22:42

 

بقلم: محمد الفحله

في عالم يتّسم بتدفّق لا ينقطع للمعلومات، أصبحت البيانات سلعة ثمينة تُجمع من كل نقرة وزيارة وتفاعل رقمي. وبينما تُروّج الحكومات والشركات الكبرى لمفهوم "البيانات المفتوحة" باعتباره خطوة نحو الشفافية وتحسين الخدمات، يظل الفرد — بمعلوماته الشخصية وحياته الخاصة — الحلقة الأضعف في معادلة تبدو مختلة أكثر من أي وقت مضى.
فهل بقي للخصوصية مكانٌ حقيقي في هذا العصر؟ أم أننا دخلنا زمن "النهاية الناعمة" للسرية الفردية؟

البيانات المفتوحة... نوايا حسنة ومخاطر محتملة

في تعريفها الأبسط، تُشير البيانات المفتوحة إلى المعلومات المتاحة للعامة بهدف تعزيز الشفافية وتسهيل الوصول للمعرفة، سواء كانت بيانات حكومية، صحية، بيئية، أو اقتصادية. لكن هذه البيانات لا تظل دائمًا في إطار "المصلحة العامة". إذ كثيرًا ما تتداخل مع معلومات شخصية قد تُستخدم بطرق تخرق خصوصية الأفراد، سواء بقصد أو من دونه.

الخصوصية… المفهوم المتحوّل

لم تعد الخصوصية تعني مجرد "الاحتفاظ بالأسرار"، بل باتت ترتبط أساسًا بقدرة الفرد على التحكم في بياناته: من يعرف ماذا، ولماذا، ولأي غرض؟ في عالمٍ تهيمن عليه خوارزميات التعقّب والإعلانات الموجهة، تحوّلت أجهزتنا المحمولة إلى "جواسيس طيّعة"، تجمع عنا كل ما يمكن جمعه — من عاداتنا الشرائية إلى مواقعنا الدقيقة.

المصلحة العامة أم انتهاك فردي؟

الجدل بين أهمية الشفافية وحق الخصوصية بات أكثر احتدامًا. فالمجتمعات الحديثة تطالب بالكشف عن البيانات لمحاسبة المسؤولين ومراقبة الأداء الحكومي، لكن في المقابل، تتعرّض حياة الأفراد الخاصة للكشف المفرط دون علمهم الكامل أو موافقتهم الصريحة.
فأين يقع الحد الفاصل بين حماية الصالح العام وصون الحريات الفردية؟

تشريعات متأخرة... وتكنولوجيا متسارعة

محاولات التنظيم لا تغيب، فقد ظهرت قوانين مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي، وتشريعات مشابهة في كاليفورنيا ودول أخرى. إلا أن هذه القوانين، رغم أهميتها، غالبًا ما تلاحق التكنولوجيا دون أن تسبقها، تاركة فراغات قانونية يُمكن استغلالها من قبل الجهات الفاعلة في السوق الرقمية.

إلى أين يتّجه المستقبل؟

مع تصاعد التقدم في الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرّف البيومتري والتحليل السلوكي، يبدو أننا نتجه نحو مجتمع يُعرف فيه الفرد من بياناته أكثر مما يعرف نفسه. ومع ذلك، تظهر بوادر أمل في حلول تكنولوجية جديدة مثل التشفير المتقدم و"الذكاء الاصطناعي الأخلاقي" التي قد تمنح المستخدمين مزيدًا من السيطرة.

خاتمة: الخصوصية ليست رفاهية

قد نكون عاجزين عن إيقاف زحف البيانات، لكن بإمكاننا المطالبة بأن يكون هذا الزحف منضبطًا ومراعٍ للحقوق. الخصوصية لم تعد ترفًا، بل حقًا أساسيًا في العصر الرقمي، ينبغي أن يُصان بالتشريعات والوعي المجتمعي والتقنيات البديلة.
فإن لم ندافع عن حدودنا الرقمية، فقد نصحو ذات يوم لنجد أن كل ما كنا نعتقد أنه خاص… قد أصبح عامًا ومتاحًا للبيع