*مقدمة:* لا يزال الشرق الأوسط مسرحًا لأزمات معقدة تتفاعل بين الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، حيث تشهد الأشهر الأخيرة تصاعدًا في العنف وتوترات سياسية واقتصادية تُعيد رسم خريطة المنطقة. من غزة إلى اليمن، ومن إيران إلى الخليج، تبرز تحولات تُثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق الاستقرار في ظل انقسامات عميقة ومصالح متضاربة.
---
1. غزة: تصعيد عسكري وإنسانية مُتداعية عادت الحرب في قطاع غزة إلى الواجهة بعد موجة عنف جديدة بين إسرائيل وحركة "حماس"، مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية وردود المقاومة الفلسطينية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 200 قتيل، بينهم عشرات الأطفال، فيما خلفت الهجمات الصاروخية من غزة إصابات في إسرائيل. الأزمة الإنسانية تتفاقم مع تدمير البنية التحتية ووصول المساعدات بشكل محدود بسبب الحصار الإسرائيلي المُطبق منذ 16 عامًا. المفاوضات الدولية بوساطة مصرية وقطرية تحاول كبح التصعيد، لكن جذور الصراع – من الاستيطان إلى حقوق اللاجئين – تبقى عصية على الحل.
---
2. اليمن: هدنة هشة ومخاوف من انهيارها رغم تجديد هدنة الأمم المتحدة في اليمن مرات عدة، تشهد مناطق مثل تعز ومأرب اشتباكات متقطعة بين القوات الحكومية المدعومة سعوديًّا والحوثيين المدعومين إيرانيًّا. تُحذر منظمات حقوقية من أن انهيار الهدنة سيعيد البلاد إلى حرب مفتوحة، خاصة مع استمرار الأزمة الإنسانية الأسوأ عالميًّا، حيث يعتمد 80% من السكان على المساعدات. في الخلفية، تستمر المفاوضات السرية بين الرياض والحوثيين، وسط مؤشرات على رغبة السعودية في إنهاء تدخلها العسكري المكلف.
---
3. إيران والملف النووي: جمود ومخاطر التصعيد تعثرت المفاوضات حول الاتفاق النووي مجددًا بعد فوز الرئيس الإيراني الجديد، الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي يشدد على رفع العقوبات قبل أي تنازلات. في المقابل، تُحذر إسرائيل والولايات المتحدة من تقدم طهران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، قريبة من المستوى العسكري. لا تزال التهديدات بالخيار العسكري معلقة، بينما تُوسع إيران نفوذها عبر وكلائها في سوريا والعراق ولبنان، مما يزيد الاحتقان مع دول الخليج.
-
4. لبنان: انهيار اقتصادي وفراغ رئاسي يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، مع انهيار العملة بنسبة 98% وانتشار الفقر بنسبة 80% من السكان. الفراغ الرئاسي المستمر منذ أشهر يعمق الانقسامات السياسية بين تحالف "حزب الله" والتيار المُعارض، بينما تفشل الحكومات الدولية في إجبار النخبة على الإصلاحات. المجتمع الدولي يشترط إصلاحات لمكافحة الفساد لإطلاق مساعدات مالية، لكن الوضع يبقى على حافة الهاوية.
---
5. التطبيع العربي-الإسرائيلي: رياح التغيير وعقبات غزة رغم توقف التقدم في اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل بسبب الحرب في غزة، تستمر دول مثل الإمارات والبحرين في تعزيز شراكاتها مع تل أبيب في مجالات التكنولوجيا والأمن. لكن الغضب الشعبي العربي من العنف الإسرائيلي يُصعّد الضغط على الحكومات لتجميد هذه الخطوات، مما يُذكّر بأن القضية الفلسطينية تبقى حجر عثرة في مشاريع التطبيع.
---
6. تدخلات خارجية: صراع النفوذ بين القوى العظمى المنطقة تبقى ساحة لتنافس الولايات المتحدة وروسيا والصين. واشنطن تعزز وجودها العسكري في سوريا والعراق لمواجهة الميليشيات الموالية لإيران، بينما توسع موسكو نفوذها عبر دعم نظام الأسد واستئجار قاعدة بحرية في السودان. من جهة أخرى، تتعمق الصين اقتصاديًا عبر مشاريع "الحزام والطريق" في دول مثل العراق وإيران.
---
*الخاتمة: نحو أفق مجهول* الشرق الأوسط اليوم يشبه برميل بارود تتهاوي فيه محاولات الإصلاح تحت وطأة الصراعات القديمة-الجديدة. الحلول المؤقتة قد تُطفئ نارًا هنا وتُشعل أخرى هناك، لكن الدرس المستمر هو أن الاستقرار لن يتحقق دون معالجة جذرية للفقر والفساد والاحتلال، وإرادة حقيقية من الفاعلين المحليين والدوليين لتبني الحوار على حساب الحرب.
---
*بقلم: [محمد الفحله]
--
|