عداد:محمد الفحله
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة في أكتوبر 2023، دخل الشرق الأوسط مرحلة تحول عميقة قد تؤذن بنهاية حقبة وبداية توازنات جديدة على المستويات السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية. الحرب، التي بدأت كحلقة جديدة في الصراع الطويل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، سرعان ما كشفت عن اختلالات إقليمية وتحولات جذرية في مواقف الفاعلين المحليين والدوليين.
أفول عهد الهيمنة الإسرائيلية المطلقة
أحد أبرز ملامح هذه الحرب هو التآكل التدريجي لصورة إسرائيل كقوة لا تُقهر. فقد واجه الجيش الإسرائيلي مقاومة غير مسبوقة من فصائل فلسطينية طورت قدراتها العسكرية والاستخباراتية، مما جعل العمليات البرية مكلفة ومعقدة. وعلى الرغم من الدعم الغربي المستمر، بدأت بعض الدول الأوروبية بمراجعة مواقفها، فيما تصاعد الغضب الشعبي العالمي بشكل غير مسبوق.
تراجع فعالية الوساطات التقليدية
الدور التقليدي الذي كانت تلعبه دول مثل مصر وقطر كوسطاء في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدا هذه المرة أقل تأثيرًا. ومع ذلك، ظهرت قوى جديدة على الساحة تسعى للعب أدوار أكثر تأثيرًا، مثل تركيا وإيران، ما يعكس إعادة تشكيل لمحور النفوذ الإقليمي.
تصدع التحالفات الإقليمية
اتفاقات "أبراهام" التي اعتُبرت حتى وقت قريب بداية مرحلة تطبيع واسعة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، دخلت في مرحلة تجميد فعلي. فقد اضطرت بعض الدول الموقعة إلى التراجع أو تخفيف منسوب التعاون، تحت ضغط الشارع العربي المتعاطف بقوة مع القضية الفلسطينية، ونتيجة لحرج الموقف السياسي من الانتهاكات المستمرة بحق المدنيين في غزة.
إيران وحلفاؤها: صعود محور "الممانعة" من جديد
في المقابل، وجدت إيران فرصة لتعزيز حضورها السياسي والإعلامي، عبر دعمها الصريح للمقاومة الفلسطينية، ما أعاد إحياء خطاب "محور الممانعة" الذي كان قد تراجع بفعل الحرب السورية وتبعاتها. كما أعادت هذه الحرب ترتيب أولويات حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، مما يُنذر بتعقيد أكبر في مشهد الصراعات الممتدة من الخليج إلى بلاد الشام.
جيل جديد... ونظرة جديدة للصراع
ربما يكون أحد أكثر التحولات عمقًا هو الوعي الشعبي الجديد، لا سيما بين الشباب العربي. فقد خلقت وسائل التواصل الاجتماعي جبهة موازية للتغطية الإعلامية التقليدية، وأتاحت رواية فلسطينية أكثر تأثيرًا، ما ساهم في تقويض روايات الدولة العبرية، وفرض واقع إعلامي جديد لا يمكن تجاهله في أي صراع قادم.
الخاتمة: شرق أوسط مختلف
الحرب على غزة لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل لحظة كاشفة. لقد فرضت على جميع الأطراف إعادة تقييم استراتيجياتها ومصالحها وتحالفاتها. وبينما لا يزال الطريق إلى تسوية شاملة بعيدًا، إلا أن الثابت الوحيد هو أن ما بعد غزة 2023 لن يكون كما قبلها. المنطقة تودّع عهدًا من الجمود، لتدخل زمنًا جديدًا من إعادة التشكل السياسي والعسكري، بتوازنات مختلفة قد تحمل فرصًا كما تحمل تحديات.