تم نسخ الرابط

من قال إن الحقيقة دائمًا واضحة؟

من قال إن الحقيقة دائمًا واضحة؟

بورسعيد - Mohamed Elfahla نشر فى: 2025-04-14 07:55:44 اخر تحديث: 2025-04-14 07:55:44

اعداد:محمد الفحله

من قال إن الحقيقة دائمًا واضحة؟ من أقنعنا أن ما نراه ونسمعه ونصدقه هو بالضرورة انعكاس نقي لما هو كائن؟ الحقيقة، كما تبدو اليوم، لم تعد ذلك النور الساطع الذي يكشف كل شيء، بل صارت كقطعة زجاج معتمة، نرى من خلالها ملامح باهتة لما نتصور أنه الواقع.

في زمن تسابق الأخبار وتنازع الروايات، أصبحت الحقيقة سلعة نادرة، أو ربما مسألة رأي، أو تأويلاً يخضع لمزاج المفسر ومصالح الناقل. ليست المسألة أن الحقيقة غائبة تمامًا، بل إنها حاضرة بعدة أوجه، متعددة، متضاربة أحيانًا، يصعب الإمساك بها دون أن ننزلق في وهم التأكيد.

قال نيتشه يومًا: "ليست هناك حقائق، بل تأويلات." ولعله كان يرى ببصيرته أن كل ما نتمسك به بوصفه "حقيقة" ما هو إلا زاوية نظر، أو لحظة إدراك جزئي لعالم أوسع من قدرتنا على الفهم.

فهل نحن أمام أزمة وعي؟ أم أن الحقيقة، كما كانت دومًا، لا تحب أن تُقال صراحة؟

إن أخطر ما يواجه الإنسان اليوم ليس الجهل بالحقيقة، بل وهم امتلاكها. تلك الثقة المطلقة التي يُلقي بها البعض كأنها مسلمات لا تحتمل النقاش، تنزع عن العقل دوره الطبيعي في الشك، وتشلّ قدرة الإنسان على التساؤل. في السياسة، في الإعلام، في الدين، حتى في العلم، تتخفى "الحقائق" خلف جدران من المصالح والنفوذ والعاطفة، فيصبح من السهل على أي طرف أن يصنع "حقيقته الخاصة"، ويروّج لها بوسائل لا تنقصها البراعة.

لقد صار من الضروري أن نعيد النظر في علاقتنا بالحقيقة، لا لننكرها، بل لنوقن بأنها ليست دائمًا كما تبدو. وأن الشك، حين يكون نزيهًا، قد يكون أقرب إلى الحقيقة من يقين أعمى. وأن الاستماع للرأي الآخر، ومحاولة فهم دوافعه وسياقاته، ليس ضعفًا، بل شجاعة عقلية قلّما نمارسها.

ربما لم تعد الحقيقة بحاجة إلى من "يقولها"، بل إلى من "يحتملها" بصبر، ويتعامل معها بتواضع، ويفهم أنها، في كثير من الأحيان، تكره أن تكون واضحة.